الثلاثاء، مايو ٢٥، ٢٠١٠

وثيقة اخوانية تشرح الفارق بين أفكار قطب و البنا .. فقه حسن البنا في التغيير قام علي الإصلاح المتدرج وفقه سيد قطب قام علي منهج الانقلاب الإسلامي


لم يؤثر في فكر جماعة الإخوان المسلمين ويحدد وجهتها الفكرية سوي اثنين من المفكرين رغم طول رحلة الجماعة الممتدة من القرن الماضي , بالتأكيد الأول هو مؤسس الجماعة الشهيد الراحل حسن البنا الذي سيطرت عليه النزعة الإسلامية منذ صغره وشغل همه تكوين جماعة اسلامية واعية تقود حركة النهضة الإسلامية التي أسسها في العصر الحديث جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ثم جاء البنا تلميذا في مدرستهم ولكن لم يكتفي أن يسير علي نهج المدرسة الفكرية بشكل نخبوي ولتأثره بالحركة الصوفية في طفولته قرر أن يجعل هذه المدرسة الإسلامية الحديثة تنظيما له أتباعا ومريدين فأسس هو ورفاقه جماعة الإخوان المسلمين
المفكر الثاني الذي كان له عميق الأثر في فكر الإخوان هو سيد قطب الذي بدأ حياته مثقفا وأديبا وشاعرا ضمن جماعة " أبولوا " الأدبية وكان قطب تلميذا بارا للأديب محمود عباس العقاد ومنتميا في بداية حياتة لحزب الوفد ثم انتقل منه إلي حزب السعديين وفاءا لسعد زغلول إلي أن تطورت أفكاره بعد زيارته لأمريكا وتحوله للجانب الإسلامي من خلال كتابته الإسلامية " العدالة الإجتماعية في الإسلام " و " التصوير الفني للقرأن الكريم " حتي وجد أن الإخوان هم أقرب اليه وهو أقرب إليهم فانتمي للجماعة في عام 1953 وأصبح مسئولا عن قسم نشر الدعوة وتولي رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين الإسبوعية , واستمر قطب في مراجعة أفكاره حتي دخل السجن في 1954 علي أثر أول أزمة للإخوان مع عبدالناصر وتعرضه للتعذيب الشديد مما دعاه لاستخدام أساليب فكرية ربما كانت أقسي مما عرفته جماعة الاخوان وظهر ذلك جليا في كتابته من داخل السجن " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " والكتاب الأكثر جدلا في الفكر الإسلامي المعاصر " معالم علي الطريق " كما أنه عدل من تفسير القرأن في كتابه الأشهر " في ظلال القرأن " فعدل فيه 13 جزاء داخل سجنه
وأحدثت أفكار قطب انقلابا جذريا في جماعة الإخوان والتي كان أبرزها تكوين تنظيم 1965 الذي يختلف كليا عن منهج الإخوان في التغيير المتدرج عن طريق الإصلاح بل أصبحت أفكار قطب دستورا لأبناء الحركة الإسلامية الذين تبنوا العنف كمنهج للتغيير واتخاذهم كتابات قطب مرجعا فكريا أساسيا في معركتهم الجديدة
واختلف الباحثين والإخوان حول أفكار قطب حيث اعتبرها فريق كبير من الباحثين أنها تختلف عن أفكار حسن البنا وأنها لا تعبر عن جماعة الإخوان وشاركهم في هذا التصور القليل من أبناء الجماعة وعلي رأسهم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وعدد من تلامتذة من جيل السبعينات كالدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والذين أبرزوا مسالب أفكار قطب وأوضحوا أن الجماعة رفضت هذه الأفكار من خلال كتاب "دعاة لا قضاة " الذي أخرجه مرشد الجماعة الثاني حسن الهضيبي
, بينما دافع الكثير من قيادات الإخوان عن فكر سيد قطب وخاصة الذي انتموا لتنظيم 1965 وحاولوا أن يبرروا مواقفه ويؤكدوا علي أن أفكاره هي من معين الجماعة
" الدستور " عثرت علي وثيقة علمية شديدة الأهمية كتبها أحد قيادات تنظيم 65 عن الفروق الفكرية بين منهج حسن البنا وسيد قطب , وهذه الوثيقة التي كتبها المهندس الراحل محمد الصروي
ضمن كتابه " محنة 1965 الزلزال والصحوة " وعرضها في فصل كامل بعنوان قضايا فكرية عن سيد قطب إلا أن لجنة المراجعة الفكرية عند الجماعة عندما راجعت الكتاب رأت أن تحذف منه الكثير من القصص والشهادات والأحداث التي يرويها "الصروي " باعتباره شاهدا وفاعلا في هذا التنظيم كما قررت حذف كل ما أورده "الصروي" في شكل مقارنات بين البنا وقطب واختذلت الفصل المشار اليه والذي كتبه" الصروي" في 77 صفحة إلي مبحث صغير في الكتاب ظهر في 7 صفحات فقط وحدث ذلك بموافقة الكاتب بدعوي عدم اثارة الشبهات لدي أعضاء الجماعة وصدر الكتاب في عام 2004 قبل وفاة الصروي بعام واحد وقدمه له الشيخ محمد عبدالله الخطيب عضو مكتب الإرشاد في حينه
إلا أن أحد أفراد أسرته والذي كان يساعد الصروي في الجمع والمراجعة أطلعنا علي النص الكامل للكتاب قبل تنقيحه أو حذف شهادة الصرواي علي قضايا فكرية وتنظيمية شديدة الأهمية والخطورة في تنظيم الإخوان في عهد عبدالناصر – والدستور تتحفظ علي النسخة الكاملة للكتاب لديها – ونشير هنا إلي أهم ما أورده الكاتب من فروقات فكرية ومنهجية بين العملاقين الإسلاميين حسن البنا وسيد قطب
فتحت عنوان " الاتجاه الإسلامي المحدد " كتب الصروي عن انتقال سيد قطب الي مدرسة الإخوان بشكل واضح ويقول أن أن حياته الفكرية مع " الإخوان المسلمين " تنقسم إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى تبدأ منذ انتسابه في أواخر الأربعينات وحتى دخوله السجن عام 1954 , وهذه مرحلة فيها الغث وفيها السمين , ولعل خير ما يمثل هذه المرحلة كتاب " دراسات إسلامية ".
والمرحلة الثانية تبدأ منذ دخوله السجن , أو قل منذ ظهور كتابيه " هذا الدين " و " المستقبل لهذا الدين " كعلامة .. وحتى إعدامه عام 1966 , وهذه تعتبر مرحلة النضج الكامل , ولم يتخل ـ حين أعلن تخليه عن العديد من كتبه ـ عما كتبه في الفترة الواقعة بين سجنه وإعدامه . وإنما كان الأمر كذلك لان التقدم الفكري وصفاء التصور قد تكون لديه ـ بعون الله وتيسيره ـ بجهوده الشخصية , وليس معنى ذلك أنه لم يكن لحركة " الإخوان المسلمين " فضل عليه , فهذه الحركة هي التي أحيت فكرة العمل لإعادة الدولة الإسلامية , وأحيت معها جوا فكريا ضخما أثر على كافة المفكرين المسلمين في مصر بصورة ما , وبديهي أن تأثير هذه الحركة على أحد أبنائها كان اكبر من التأثير في بقية المفكرين الذين لم يعملوا مع الجماعة , إنما الذي نعنيه هو صفاء التصور ووضوح الميزان القائم على هذا التصور الصافي , فليس ثمة إنسان منصف ينكر أن سيد قطب قمة لا تطالها القمم المعاصرة جميعا في صفاء التصور ودقة ميزانه , ولا من ينكر أن ذلك لم يكن في أول أمره ..
ويقول الصروي لقد كان " قطب " معجبا جدا بحسن البنا وكان إعجابه يتركز - بصورة خاصة - على عبقرية البنا في ناحيتين , في البناء النفسي المتوازن لأعضاء الحركة , بإيجاد النسب المتكافئة بين العلم والروح والحركة من جهة , وبين المدارس الإسلامية " التخصصية " ـ كالصوفية والسلفية والمذهبية ـ من جهة ثانية والبناء التنظيمي للجماعة , وقد كان هذا البناء هو الأول من نوعه في العالم بالنسبة للعمل الجماعي المتجسد في صورة " حزب إسلامي ".
أما من الناحية الفكرية فيقول الصروي : " فلا ريب أن لسيد قطب تفرده , فهو ــ في رأينا ــ يمثل قمة النضج الفكري عند " الإخوان المسلمين " , بحيث يمكن أن يعتبر ظاهرة خاصة , لها طابعها المميز , ولا يعتبر مجرد استمرار لمدرسة البنا الفكرية , أو تلميذا متخرجا منها , كما ذهب إليه الأستاذ غازي التوبة ."
ويضيف الكاتب : " نعم إن سيد قطب استفاد من فكر " الإخوان المسلمين " الذي غذاه البنا ونماه , ويحتمل كثيرا أننا لم نكن لنجد سيد قطب " المفكر المسلم " لولا الإخوان المسلمون ولولا البنا ولكن ذلك لا يعنى انه كان تلميذا نجيبا فحسب , بل هو مجدد حقيقي , استقل بمنهج فكرى خاص به , يعرف بجلاء لدى قراءة كتبه التي كتبها فيما بين سجنه وإعدامه , ولدى مقارنة ذلك بكتب البنا الرائد , وبكتب كتّاب الإخوان المسلمين ومقالاتهم المكتوبة منذ إنشاء الحركة وحتى أوائل الخمسينيات
وفي بداية الفصل كتب" الصروي " بأنه أدق وأصعب أبواب هذا البحث موضوحا : " فهو يتناول القضايا الشائكة وما أكثرها .. ولكن لا بد من الكتابة فيه .. فان لي تجربة شخصية مع كتب ومنهج سيد قطب , ومع التنظيم الذي كان يرأسه الشهيد عليه رحمة الله ورضوانه فإذا كتبت فهو من واقع الأحداث , ومن قلب المعركة , ومن خضم المعاناة والمكابدة , ولقد دفع الشهيد سيد قطب حياته ثمنا لهذا الفكر , وتلك الحركة هو وزميلاه الشهيدان محمد يوسف هواش , وعبد الفتاح إسماعيل على حبل المشنقة .. "
وحاول الكاتب أن يضع في بداية بحثه الفرو بين المناخ الذي عاش فيها الإمام المؤسس حسن البنا والإمام المنظر سيد قطب
فقطب عاش حسب الصروي مقاتل صلب عنيد .. فلم تجد معه مساومات , ولم تنفع معه ضغوط .. هذا معناه انه ظل في حرب مع عبد الناصر وأعوانه تسعة أعوام في السجن ( 55 ــ 1964 ) معذبا في سجنه يوما بعد يوم أي حوالي 3285 يوم .. معركة استمرت ثلاثة آلاف يوم .. والجنود في المعركة يحاربون نهارا وينامون ليلا , أما سيد قطب فكانوا يحاربونه في سجنه ليل ونهارا .. في نومه ونبهه .. في يقظته وغفوته .
ولقد رأى سيد قطب إخوانه شهداء مذبحة طره عام ( 1957 ) ( 21 شهيدا ) ومثلهم من الجرحى يموتون في ساحة السجن في معركة غير متكافئة بل ورأى على سرير بجواره يموتون من التعذيب صبرا بمنع الدواء مثل الشهيد أحمد نار و غيره.
فأيقن أنها معركة حربية هو في قلب ساحتها .. والمعارك لها قانون ونظام غير نظام الحياة العادية .
ويضيف الصروي : " عاش سيد قطب ساحة قتال , وليست زنازين سجن وهو مريض لا يملك إلا قلمه .. فحارب الباطل بقلمه .. فنزلت كلماته ـ عليه رضوان الله ـ سيوفا على الباطل في كل أرجاء الأرض , جريء لا يتردد .. فالتردد في المعركة هزيمة نكراء "
من هنا حرص سيد قطب حسب الصروي على وضع كثير من النقط فوق الحروف , ورفض أي لبس , وعرّى الباطل , وحرص على التمايز عنه , وأختار لهم مفردات لغة لعلها من وجهة نظره المناسبة لساحة القتال ( مثل الجاهلية ــ دار الحرب وغيرها كثير ) هكذا كان اجتهاده رحمه الله .
أما حسن البنا فيري الصروي أنه كان في حقل مختلف , وظروف أخرى .. هو حقل الدعوة والتفهيم والشرح والبيان ...وكانت عنده معارك أخري لا تقل ضراوة
ويضيف الكاتب إن حسن البنا بلا شك هو مجدد القرن العشرين لهذه الأمة , وكثير من الناس لاحظ فروقا جوهرية من كلام حسن البنا , وكلام سيد قطب ويتسائل فما موقع هذا من التقييم الفكري والعلمي ؟
ويجيب علي نفسه قائلا : " والذي تستريح له نفسي , وتطمئن له تجربتي .. أن سيد قطب مثله مع حسن البنا . كمثل المجتهدين على أصول نفس المذهب .. أو بتعبير أدق " مجتهد على أصول نفس المنهج " موضحا فالإمامان الجليلان محمد , وأبو يوسف مجتهدان على مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان .. فهما في إطار أصول مذهبه يجتهدان ولا يخرجان عن أصول المذهب , والاجتهاد في بعض الفروع والوسائل , وفق الظروف والأحوال المستجدة .
وأكد الصروي في بحثه المطول الذي تم اختذاله في الكتاب المطبوع عن دار " التوزيع والنشر الإسلامية " أنه سيعرض بالتفصيل والنصوص بعض الفروق التي فيها اجتهاد لسيد قطب في إطار منهج حسن البنا , لكنه حرص أن يعرض في البداية الأصول التي يلتزم بها كل من البنا وقطب
• هذا الدين نظام حياة لكن عامة الناس , وكل الحكام أو جلهم لا يحب هذا
• هذا الدين حضارة متكاملة لا تقبل القسمة ولا الترقيع ولا قطع الغيار لأنه منهج كامل متكامل من عند الله "
• إن الناس بعدوا كثيرا عن الدين والتدين .. ولا بد من رجوعهم إلى حظيرة الدين .
• لا بد من إيقاظ المسلمين في غفلتهم الشديدة
• إن الإصلاح لا يأتي أبدا من الرأس بمعنى تغيير الحكومة , فكلاهما ( أي حسن البنا وسيد قطب ) متفقان على أن الإصلاح يبدأ من القاعدة
• كما يتفق الإمام والشهيد بضرورة عودة الخلافة
• يتفق الإمام والشهيد على " ألا نكفر مسلما نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها "
ويقول الصروي على نفس الدرب سار سيد قطب لكنه كان شديدا جدا في وصفه لكل من بعد عن تعاليم الدين , ولعله أصدر بعض الأحكام على بعض الأفراد من الحكام ( والله أعلم ) كما أنه وصف علماء السلطان وصفا صعبا .. والعلماء أيضا قابلوا سيد قطب بكلمات قاسية في محنته ووصفوه ومن معه بأنهم الخوارج في موقف سيئ من العلماء في عام ( 1965 ) .. وعلى رأسهم للأسف شيخ الأزهر .. فلعله كان مكرها !!
كان سيد قطب حسب الكاتب متشددا في حكمه على بعض الحكام والأشخاص كما قلت ولكنه لم يكن يكفر عوام الناس , أو من ليس في جماعته أو تنظيمه
كما يري الصروي أن البنا وقطب يتفقان على ضرورة " التدرج " في الخطوات بهذا المنهج تدرجا يناسب الزمان والمكان و هذا المنهج سماه الإمام البنا " التدرج " وسماه قطب " المرحلية " ولم يتوسع البنا في شرح ( التدرج ) لكن قطب توسع في شرح " المرحلية " ففهم منها أناس مفاهيم شتى , لكن الأستاذ سيد قطب رحمه الله حسب – الكاتب - كانت له اجتهادات لعل أغلب ألفاظها ومصطلحاتها لا توجد في أديبات الإخوان التي تتمثل في رسائل حسن البنا كما أن هذه المصطلحات كانت موجودة من قبل في عصور الإسلام الأولى عند فقهاء الأمة مثل دار الحرب ودار الإسلام وغيرها , ولكن في ظروف عالمية ومحلية مختلفة .ولقد أثارت هذه المصطلحات أزمات كثيرة بعد وفاة الشهيد سيد قطب
وانقسمت الآراء بين متحامل عليها , وبين موائم بينها , وبين ناقد لها في موضوعية وبين من يصف عبارات الشهيد بالعاطفية , ومن يصفها ببلاغة الأدباء وتعبيرات الفصحاء .. وبين متعصب لها بدرجات متفاوتة فمنهم حتى الان من يتوقف في الحكم على إسلام الناس , ومنهم من يكفر الناس , ومنهم من يكفر من ليس على مزاجه ومقاسه وهواه .. حتى ظن بعضهم انه وحده على الحق وان الدنيا كلها على باطل ,
وهذه المصطلحات هي التي أتى بها الأستاذ سيد قطب إلى قاموس الدعاة هي :
الجاهلية , الجماعة المسلمة , معنى شهادة لا اله إلا الله , دار الحرب ودار الكفر ودار الإسلام , الحاكمية ,المرحلية , المفاصلة بين الشعورية والمادية ,استعلاء الإيمان
ولقد أفرد الكاتب الفروق الجوهرية في رؤية البنا لهذه المصطلحات ورؤية قطب وان كان يبرر لقطب رؤيته التي وصفها هو بالمتشددة وأفرد الكاتب لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثمانية صفحات مطولة بينما النسخة التي صدر فيها الكتاب لم يزد توضيحه لهذه الأفكار سوي عن سطور قليلة تبرر فكر قطب فقط ونعرض هنا ما توصل له الاستاذ الصروي من فروقات جوهرية بين قطب والبنا في المصطلاحات الثمانية ونعرض هنا لاهم فارقين وهما الجاهلية والمرحلية
1- الجاهلية
ان الإمام حسن البنا حريصا على البعد عن استخدام أي مصطلحات فقهية لها مدلولات محددة .. أو يمكن إساءة فهمها , أو لها ظلال فتوى معينة , أو لها مدلول تاريخي أو مدلول في كتب علوم التوحيد والعقيدة .. قد يترتب عليها إصدار حكم ما في شخصية أو هيئة معينة , بل إن البنا حرص ألا يفرض مذهب فقهيا معينا على الإخوان حتى لا تنحصر الجماعة في إطار مذهبي فقهي , والتزم البنا سلوك الداعية , ولم يسلك طريق الفتوى والتزم أخلاق الدعاة
وكان البنا حريصا أن يري الناس من منطق ( إني أراكم بخير ) فهو يقول : " وليعلم قومنا , وكل المسلمين قومنا , أنهم أحب إلينا من أنفسنا ...ليس معنى هذا أن حسن البنا لم يحسن تشخيص حال المسلمين بل تشهد رسائله أنه يعرف بالتفصيل الشديد أمراض الأمة ويضع لها روشتة العلاج.
وشبه الصروي فقه حسن البنا في وصف حال المسلمين ومنهجه في الدعوة كمن رأى سيارة تحطمت وتهشمت في حادثة .. تهشم الموتور والسقف والعجل والشاسية وغيرها وبقيت اللوحة المعدنية سليمة .. فسحب البنا هذه السيارة وذهب بها إلى الورشة لإصلاح كل شيء من الألف إلى الياء وأصر على منهج الإصلاح .. دون الحكم على السيارة بالإعدام ما دامت اللوحات المعدنية سليمة .
أما الشهيد سيد قطب فنظر إلى السيارة وقال : لا بد من سيارة جديدة , والتخلص من هذه السيارة المهشمة ورميها في صناديق القمامة فلا يجدي معها الإصلاح
كان حسن البنا يقول على بلاد المسلمين وساكنيها انهم مسلمون وان فيهم أملا كبيرا وخيرا كثيرا لكن ينقصهم الكثير ويعدد ويوضح ويسهب في ذكر الأمراض وعلاجه ,
أما قطب فله نظرات في كتاب الله تعالى ووصف بجاهلية هذه المجتمعات وشبهها بجاهلية ما قبل الإسلام فمعتقدات الناس فيها جاهلية الظن بالله غير الحق بعدم تحكيم شريعته وسلوك النساء فيه تبرج الجاهلية الأولى أو يزيد وغضب الناس لغير الله أكثر من أن ينكر .
والحكم بغير ما انزل الله واضح لكل ذي عينين , والدين في واد والناس والحكام في واد آخر .. إلا ما رحم ربى .. وقليل ما هم .
وخلص سيد قطب إلى جاهلية المجتمع بهذه المواصفات وأنها أشبه ما تكون بالجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم . ورتب الشهيد سيد قطب منهجا للحركة بناء على هذا التصور استلهمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الجاهلية الأولى شبرا بشبرا , وذراعا بذراع .
وحسب الصروي لكن سيد قطب كان عالما .. فكان يفرق بين النظرة الإجمالية للمجتمع وبين النظرة إلى أفراد هذا المجتمع .. وهذه التفرقة صعبة جدا أن يستوعبها القارئ العادي بل والعالم المتخرج من الأزهر الشريف وهى عسيرة على العقل أن يفهمها
كان حسن البنا يصف الناس والمجتمعات أنها أمم إسلامية بعدت كثيرا عن الإسلام لكن أصل الإسلام واضح فيها . وباق فيها فشجرة الإسلام أصلها ثابت وفرعها في السماء لكن ساق الشجرة اجتثت من فوق الأرض .
وخلاصة منهج حسن البنا .. الإصلاح .. ثم الإصلاح .. ثم الإصلاح .. فهو يعترف بوجود الخير في هذه الأمة .. وذلك المجتمع وان الإصلاح ممكن .. وليس مستحيلا .. وخير له أن يقوم بالإصلاح فهو منهج غير مستفز , ولا يقلب للحكام ظهر المجن , ويعطى فرصة أطول للدعوة والدعاة للتغلغل داخل المجتمع , والغوص في أعماقه .
أما منهج التغييرالذي يحبذه سيد قطب .. أو إن شئت قل منهج الانقلاب الإسلامي .. فهو يشعل معركة مع الناس ومع الحكام .. معركة في وقت مبكر جدا .. كما يعطى تبريرات للحكام للتعامل بمنطق الرفض المتبادل ..

من ثم فهو ـ أي الإمام البنا ـ يطالب بإصلاح كل شيء .. وليس تدمير أي شيء .. يطالب بالعلاج , وليس بالتغيير .
أما الشهيد سيد قطب فيصف المجتمعات كلها بالجاهلية .. ويترتب على هذا الوصف ضرورة اتباع منهج ( التغيير) وليس ( الإصلاح ) وهذا الوصف الذي قاله الشهيد سيد قطب عن ( الأمة ) وعن ( المجتمعات ) فهو يعنى به الأمة أو المجتمع كشخصية معنوية متمثل في الدولة ومؤسساتها الدستورية من تشريعية وتنفيذية وقضائية , ولا يتعلق هذا الحكم بالأفراد .
2- المرحلية

كان حديث قطب عن المرحلية قاصرا على كلامه حول مسائل الجهاد وذلك في مواضع متعددة " في ظلال القرآن " وفى كتابه " معالم في الطريق "ويقول الصروي هذا الكلام عن المرحلية حرّفه كثيرون ونسبوه إلى الشهيد سيد قطب , ولعله من كل هذا برئ .
وهو لا يتحمل وزر من نسبوا إليه تعطيل كثير من الأحكام الشرعية بحجة المرحلية , واستنبطوها ـ فقط ـ من فكرة المرحلية , ونسجوا حولها أحاديث شتى , وفتاوى عدة .. فقسموا الأحكام إلى مكي أي ما نزل بمكة , ومدني وهو ما نزل بالمدينة , وزعموا أن وضع الناس اليوم يشبه الوضع في مكة من حيث جاهلية المجتمع كله في مواجهة إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه القلائل في مكة ... بل وغالوا في ذلك فزعموا عدم فرضية الحج مثلا وكذلك الزكاة ـ الآن ـ على المسلمين لأن فريضة الحج نزلت في أواخر عهد المدينة ..
اما حسن البنا حينما تكلم عن ( التدرج في الخطوات ) تناول موضوعا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن كلام الشهيد سيد قطب .. وقال البنا في احدي رسائله عن التدرج : " وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك ."


0 تعليق: