لو تعرفوه..لو يوم يقابلكوا اسألوه..ليه الأيام ياخدوه..لو تعرفوه..لو يوم شفتوه كلموه..عن ناس هنا بيحبوه..وفكروه..فاتني وبستناه..وكمان بقى عرفوه..من فات حبيبه تاه..وابقوا اسألوه..ازيه وازي حاله..في باله أو مش في باله..منساش هوانا، وأمانة..كل اللي اتقال قولوه...........لو تعرفوه..لو كان في بينكم كلام..حد يسلملي عليه..لو تعرفوه..قولوله ببعتله السلام..لعنيه ولقلبه وليه..وفكروه..فاتني وبستناه..وكمان بقى عرفوه..من فات حبيبه تاه..وابقوا اسألوه..ازيه وازي حاله..في باله أو مش في باله..منساش هوانا وأمانة..كل اللي اتقال قولوه................السطور السابقة - لو لم تكن تعرفها - هي كلمات أغنية جديدة لمطربة اسمها إليسا، لو لم تكن تعرف الأغنية فأنت بالتأكيد تعرف إليسا..أنا عن نفسي أعرف الأغنية وأعرف إليسا، لكن ما لا أعرفه وأتمنى معرفته فعلا، هو اسم كاتب هذه الكلمات، فرغم أنها ليست عبقرية مقارنة بكلمات أغاني أخرى، لكنها مليئة بالإحساس، ولحنها صادق إلى أبعد الحدود.. وهو ما يدفعني للبحث عن اسم الملحن كذلك..في الأغنية، تكلم إليسا رفاقها وأصدقائها، تكلم البشر جميعا، تبحث بينهم عن شخص يعرف حبيبها الغائب، البعيد عن عينها والقريب من قلبها وعقلها..تحملهم بالأسئلة التي تنتظر منه إجابة عنها، عن أحواله، وعما إذا ما كان ماذا يذكرها ويذكر حبهما وما بينهما من عهود..وتلح عليهم أن يجعلوه يتذكر كل الأشياء التي ربما يكون نساها يوما ما، وأن يتذكر دائما، إن من فات حبيبه تاه، وأنها مازالت تنتظره وعليه أن يفهم أن راحته في الرجوع إليها..وأخيرا تطلب منهم أن يسلموا لها عليه، على قلبه الذي ينبض بحبها، وعلى عينه التي لم تكن تبصر غيرها، وعليه هو شخصيا الذي رضى بالبعد على أن يبقى بجورها...................رغم أني سمعت الأغنية عشرات المرات قبل ذلك، في الميكروباص، وفي الـDJ العالي أثناء افتتاح محل الجزم المجاور لمنزلي، وفي نجوم أف أم المسموعة في القاهرة وضواحيها وشوارعها ومحلاتها وأتوبيساتها، ومن سماعات زميل لي في العمل لا أعرفه على وجه التحديد..رغم أني سمعتها أكثر من مرة، لكنها المرة الأولى التي أركز في كلماتها بهذا الشكل، لأن إليسا عودتني على أن يكون صوتها جميلا، وألحانها رائعة، لكن على كلمات غير مفهومة تجمع بين المصرية واللبنانية في MIX غريب...لكن عقلي يرفض أن يصدق أن هذه الكلمات من الممكن أن تغنى لشخص عادي مثلي ومثلك ومثلنا جميعا..فالـ"بني آدم" الذي يستحق هذه الكلمات – بغض النظر عن أن إليسا هي التي تنطق بها – هو بالتأكيد شخص غير عادي، يملك في قلبه الكثير ليعطيه لمن حوله، والدليل أن الكلمات تمتلىء بمثل هذا الحب..هو شخص علاقاته متعددة، كثيرة، طيبة مع الجميع، فهي تسأل الناس كلها في ثقة، من منكم يعرفه، لكن السؤال الحقيقي الذي يظهر من بين السطور، ومن هذا الذي لا يعرف حبيبي، ولا يعرف قصتنا..لماذا أطيل عليكم...سأقول باختصار ما حدث..للمرة الأولى التي ركزت فيها في كلمات الأغنية السابقة، وجدتني أبكي، وفي عقلي وقلبي وعيني مجموعة من الصور.. إليكم بها..1- لو تعرفوه.. محمد القصاص:أعرفه منذ سنوات طويلة، مجرد اسم يتردد أمامي أثناء فترة عملي مع أبي في سوق نشر الكتب، لم أقابله، أو ربما قابلته، لا أذكر على وجه التحديد المرة الأولى التي قابلته فيها.. لكن ما أعرفه جيدا، أن علاقتي بدأت معه بعد أن سافر صديق مشترك لنا لخارج مصر.. قابلته للمرة الأولى على قهوة أبو أمين بشارع التحرير في الدقي، طلب لنفسه عناب، وبدأنا الحديث..جلس يستمع لحكايات كل الجالسين، يطلق قفشاته حين تكون لها مناسبة، أو يصمت ويركز في كلام المتحدث لو تبين له أنه ذو أهمية..وفي كل مرة قبل القيام من على القهوة ذاتها، لا ينسى أن يشتبك في حوار سريع مع علي علبة القهوجي، ما عرفته عن قصاص (هكذا نناديه متناسيين اسمه الأول) أنه لا يترك شخصا دون أن يتحدث معه، بغض النظر عن أهمية الشخص أو أهمية الحديث، لكنه يعرف جيدا أن كل الموجودين يتمنون الحديث معه، وينتهزون الفرصة ليفعلوا ذلك..بصراحة، أنا لا أعرف قصاص جيدا، فمقابلتي الأولى معه على القهوة كانت من حوالي عام واحد لا أكثر..لكن الحكايات التي يحكيها أصدقاءه عنه، تجعلني أشعر أني كنت مثلهم، صديقه في المسجد، وزميله في الجامعة، ورفيقه في السجن..قصاص، يملك مشاعر أبوية تجاه الجميع، ستجده يجلس في اليوم الواحد مع عشرة على الأقل، يسمع من كل واحد منهم عن مشكلته، ويعطيه رأيه، الذي ستجد في النهاية أنه الأقرب إلى الصواب، رغم أنه بعيد عن تخصصه، لكن الحقيقة، أن قصاص لا يعرف تخصص معين، بل هو ضد التخصص ككل، يفهم في كي شيء، وله في كل شارع صاحب، وعلى كل مقهى ذكريات، وفي كل عمل تجارب..هذا هو قصاص، هو الآن نزيل زنزانة لا أعرف رقمها في مزرعة طرة.. لو كنتم تعرفوه، فبلغوه عني ما تقوله إليسا لحبيبها..2- لو تعرفوه.. عبد المنعم محمود:لم أقابل يوما اسكندرانيا واحدا ونسيته، اكتشفت هذه الحقيقة وأنا أحاول الكتابة عن عبد المنعم، أو "منعم" كما اعتدت على مناداته..عبد المنعم اسكندراني حتى النخاع، لكنك في كل مرة تقابله فيها تعجز عن تصديق أنه ينتمي لتلك المحافظة.. فهو لا يأكل السمك، ولا يعرف عن الإسكندرية ربع معلوماتك، ومرات نزلوه للبحر يعدها على أصابعه..أراه منذ أكثر من سنتين، يدخل في صمت، يذهب للحديث مع أحمد زين، يسلم علي في الدخول والخروج، ويختفي..لكن فجأة، أصبحنا أصدقاء، بدون أي تخطيط مني أو منه..يجمعنا حوار طويل عن الإعلام والإخوان وكفاية والمعارضة والطلبة والمظاهرات..أذهلني نشاطه، هو "رويتر الإخوان" كما يحب أن يسمي نفسه، أسأله في الثالثة صباحا عن مكان تواجده في العاشرة من صباح اليوم التالي، يجيب في ثقة، "أيووووووه، عندي ميعاد الساعة سبعة في المكتب، بعدها هروح النقابة، وأطلع من هناك على اسكندرية وأرجع بكرة الصبح عشان عندي... "، ويكمل حديثه عن مواعيده وارتباطاته التي لا تنتهي..في الصيف الماضي، كلمني بسرعة على الموبايل : بقولك إيه، تيجي نروح نصيف 24 ساعة في اسكندرية..؟... أجبت في سرعة.. : طبعا..كان ذاهبا إلى هناك لتغطية مؤتمر نقابي، ذهبنا سويا، واستمتعت معه بنصف ساعة في البحر قبل أن يحين موعد رجوعنا، وتمشية طويلة على الكورنيش، وفضفضة غريبة من نوعها.. حدثت بيننا للمرة الأولى..على هاتفه، ستسمع رنته المفضلة "عصفور طل من الشباك"، وستسمعه وهو يطلب مراسل رويتر، أو الفرنسية، أو قناة الجزيرة، ويقول الجملة ذاتها.. "سلام عليكم.. معاك عبد المنعم محمود.. بتاع الإخوان المسلمين"..منعم وأنا، بيننا شراكة من نوع غريب، كل منا يعرف أنه يحتاج الآخر في حياته وعمله، المرة الأخيرة التي قابلته فيها كانت في رويال باكري المجاور لعشرينات..هناك كنا نحتفل بعيد ميلاد دعاء، وهناك عرف هو للمرة الأولى أني سأتقدم لخطبتها.. وكانت آخر جملة سمعتها منه قبل رحيله.. "أيوووه.. كنت بعقلك يا براء"..لم تكن تلك المقابلة هي الأخيرة تحديدا، فبعدها بيومين، جاء لعشرينات مبتسما على غير عادته، عودنا أن يدخل وهو منهك من المشي والتنقل طول النهار.. دخل، داعب الجميع بقفشاته السريعة، وطلبني للحديث معي لدقائق في الخارج، وهناك قال.. بقولك إيه.. "أنا مطلوب القبض عليا ورايح أسلم نفسي بكرة.. هبعتلك خبر القبض عليا عشان تبعته للمواقع اللي هقولك عليها".. لم أستوعب ما قال.. لأنه قالها في بساطة وهدوء لم أعرفهما عنه، ولأنه كان المسجون الوحيد في العالم تقريبا، الذي يكتب خبر القبض عليه بنفسه..عبد المنعم سلم نفسه، وترك لنا على ايميله رسالة تصلنا كل يوم، تقول.. "آسف لعدم ردي على رسائلكم، لقد قمت بتسليم نفسي لجهاز أمن الدولة"..منعم أخبرني أنه بعد الانتخابات سيبدأ التفكير في الزواج، لكنه لم يفعل، وأنه يستعد لفتح مكتب إعلامي خاص به، لكن القبض عليه لم يمنحه الفرصة..المكالمة الأخيرة التي تلقيتها منه، كانت صباح اليوم التالي لزيارته الأخيرة لعشرينات، وفيها قال.. "براء.. أنا رايح دلوقتي.. ما تيجي معايا.. لا إله إلا الله"..عبد المنعم محمود، منعم، لو تعرفوه.. قولوله ببعتله السلام.. لعينه ولقلبه وليه
الأحد، أكتوبر ١٥، ٢٠٠٦
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 تعليق:
إرسال تعليق